الاثنين، 30 أكتوبر 2023

المغرب يعتمد وحدات صحية متنقلة من أجل كسر المسافات والإنصاف في العلاجات

 

يعتمد المغرب على وحدات صحية متنقلة للتغلب على المسافات البعيدة وتحقيق العدالة في توفير العلاجات.
إعتماد المغرب على وحدات صحية متنقلة لتقليل المسافات وتحقيق المساواة في العلاجات.

 المغرب يعتمد وحدات صحية متنقلة من أجل كسر المسافات والإنصاف في العلاجات


برنامج طموح تم إطلاقه وتوقيع اتفاقية شراكة بشأنه، أول أمس السبت، جمع مؤسسة محمد الخامس للتضامن ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية بإحدى الشركات المختصة، يهم إطلاق “برنامج الوحدات الصحية المتنقلة المجهزة بتقنيات الاتصال عن بُعد”.

وتحت نظر الملك محمد السادس بالرباط، تم التوقيع على هذه الاتفاقية التي تضع “تحسين ولوج ساكنة العالم القروي إلى الخدمات الصحية” هدفاً أساسيا لها، وذلك بعد دراسة احتياجات عدد من الأقاليم وضمان استفادة مصالح وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في جهودها للتصدي لمشكل “بُعد الخدمات الطبية” وتحسين الولوج إلى العلاجات الصحية بالعالم القروي، من الخبرة والتجربة المتراكمة لدى مؤسسة محمد الخامس للتضامن لأكثر من 20 سنة في مجال تنظيم القوافل الطبية لفائدة الساكنة المعوزة التي تعيش بالمناطق البعيدة عن مؤسسات طبية.

نموذج جديد للتدخل

وفق المعطيات المتوفرة، يندرج البرنامج في إطار الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية وتعميم الحماية الاجتماعية، كما يدشن “نموذجا جديدا للتدخل الطبي يجمع بين توفير العلاج عن قرب والتطبيب عن بعد”.
يقوم البرنامج النموذجي في مرحلته الأولى المعلنة (سنة واحدة) على “نشر 50 وحدة صحية متنقلة مجهزة بتقنيات الاتصال عن بعد بمختلف جهات المملكة، خاصة على مستوى 40 إقليماً. بينما سمَح تحليل معطيات تموقع مراكز الصحة على المستوى الإقليمي باختيار الأقاليم المعنية.

تركيبة الوحدات


كل وحدة من الوحدات الطبية المتنقلة/المتصلة عن بُعد ستتشكل من طواقم صحية تضم طبيبا عاما، وممرضين/ممرضتيْن، ومساعدة إدارية. كما ستُزوّد بـ”تجهيزات متطورة للطب الحيوي” تضمن القيام باستشارات طبية حضورية للطب العام، واستشارات طبية متخصصة عن بعد عبر الربط بالمنصة المركزية للتطبيب عن بعد، التي تتكون من متخصصين في فروع علاجات مختلفة (طب النساء والتوليد، وطب الأطفال، وأمراض الغدد الصماء، والأمراض الجلدية، وطب الأنف والأذن والحنجرة، وأمراض القلب، وأمراض الرئة).
وتتطلب المرحلة الأولى لهذا البرنامج، وفق القائمين عليه، “تعبئة 20 طبيباً متخصصا بالنسبة للمنصة المركزية للتطبيب عن بعد، و50 طبيبا عاما، و100 ممرض/ممرضة، و100 مساعدة، يتوزعون على مختلف الأقاليم. وحُدد مبلغ إنجازها في غلاف إجمالي قيمته 180 مليون درهم.
وبقدر ما لا تخفى أهمية الوحدات الصحية المتنقلة المتصلة عن بُعد في تعزيز ودعم مكتسبات تنزيل ورش الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية على المجالات الترابية النائية وساكنتها، فإنها من المنتظر أن تضمن تحسين ولوج ساكنة العالم القروي إلى الخدمات الصحية وتكافؤ فرص الولوج لهذه الخدمات.

كسر المسافات

تعليقاً على دلالات الموضوع، أكد الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، أن “الوحدات الصحية المتنقلة المتّصلة عن بعد تدخل في إطار ضمان الإنصاف في الوصول إلى العلاج والخدمات الطبية بين مختلف المواطنين المغاربة”.

وقال حمضي، في تصريح لهسبريس، إن “المبادرة محمودة ستضمن توفير العلاج عن قرب وخدمات الطب عن بُعد”، لافتا إلى أن هذا الأخير يظل “هدفُه بشكل عام هو كسر المسافات بين الطب والمواطن”، مع ضمان “تنوّع في الكوادر الطبية”.

“معلوم أن الطب عن بعد يتيح إجراء العمليات الجراحية عن بُعد، لكن هذه الوحدات تساهم ضمن خدمات أساسية مثل الفحوصات بالصدى والتخطيط بالنسبة لمرضى القلب والشرايين وغيرها”، يضيف الخبير الصحي ذاته، شارحا أن “الوحدات المتنقلة ستتضمن علاجات من طرف أطباء عامين ومختصين، بمساعدة ممرضين في عين المكان أساسا، لمرضى هم في أمسّ الحاجة إليها، ما سيعفيهم من عناء السفر والبحث عن طبيب متخصص (رحلات شاقة من القرى إلى المدن)”.

كما أن هذه الوحدات ستقدم “خدمات طبية مهمة عن قرب، سواء وقائية أو علاجية”، يتابع حمضي، مبرزا أن “الهدف من إقرار البرنامج المذكور هو التكافؤ في فرص الاستفادة من الحق في التطبيب والصحة”، مع “تقليل العبء على المواطن لإجراء فحص طبي (تكاليف باهظة للسفر حتى لو كان العلاج مجانيا)”، مشيرا إلى أن “ترشيد وعقلنة استعمال الموارد البشرية ستضمنهما الوزارة”، موردا أن “الربح الثالث هو من حيث تقليص الكلفة العامة التي ستصبح أقل بالنسبة للمواطن أو الدولة”، قبل أن يخلص إلى أن “الطب عن بعد سيُصبح المستقبل في المهن الصحية حتى داخل المدن”.


دمقرطة العرض الصحي


أدرج البروفيسور خالد فتحي، أستاذ بكلية الطب بالرباط خبير في الشأن الصحي بالمغرب، هذه المبادرة في إطار “الأفكار الخلاقة للملك محمد السادس التي تروم الإبداع في تحقيق هدف الدولة الاجتماعية الذي صار عنواناً لعهده”.

وعدّد فتحي، في إفادات لهسبريس، “تحديات” قال إن المشروع “يبتغي تجاوُزها دفعة واحدة”؛ أوّلُها “الإكراه الجغرافي عبر الوصول إلى أبعد النقاط وإلى المناطق النائية جدا من المملكة، خصوصا التي تعاني من وعورة التضاريس وصعوبتها”، معتبرا أن هذا هو “المعيار الذي تحكم في اختيار 40 إقليما سيعرف انتشار هذه الوحدات المتنقلة في انتظار تعميمها على كل الأقاليم؛ لأن في كل منها صحراء طبية بشكل أو بآخر”.

ثاني إكراه هو “اختلال العدالة المجالية صحياً”، حسب فتحي، وبالتالي فالورش “محاولة جادة لتصحيح هذا الوضع غير الطبيعي والقضاء النهائي على الأقل من الناحية الصحية على مقولة المغرب النافع والمغرب غير النافع، مما يمثل خطوة جبارة على طريق دمقرطة العرض الصحي وتحقيق المساواة الصحية بين المواطنين بجميع فئاتهم”.

كما عدّ الخبير ذاته المبادرة “نوعا من العلاج للتلكؤ والتمنّع الذي تبديه الأطر الطبية، وخصوصا فئة الاختصاصيين الذين يمتنعون/يترددون في العمل في العالم القروي بعيداً عن المدن الكبرى، ما يجعل الاختصاصات تصل إلى المحرومين منها عن طريق تقنية الطب عن بعد حيث يلعب الطبيب العام دور حلقة الوصل بين المريض وبين الطبيب الاختصاصي؛ لأنه سيؤطر وسيحكم ويوجه التواصل بينهما فيُحيله أكثر فاعلية وأكثر جدوى”.

وتابع شارحا: “هذه الاستشارات ستنقسم إلى ما سيقوم به الطبيب العام نظرا لإمكانياته، ومنها ما سيحتاج إلى رأي الاختصاصي؛ هنا يلعب الطبيب العام دورا في انتقاء وتوجيه المريض نحو الاختصاص المطلوب دون إضاعة للوقت، مما يعد نوعا من الحكامة في تنفيذ الاستشارات الطبية، وبالتالي سبيلا إضافيا لترشيد الإنفاق الصحي العام”.

“التغطية الصحية ليست بطاقة انخراط فقط، وإنما هي ولوج إلى الخدمة الصحية في التوقيت والمكان المناسبين للمنخرط بأقل تكلفة ممكنة وأعلى جودة”، من خلال ورشيْ إصلاح المنظومة الصحية وتعميم الحماية الاجتماعية اللذين هما ورشان ديناميان يتعين دائما تطعيمهما بالأفكار الخلاقة وتقيمهما على أرض الواقع باستمرار.

يقع على عاتق الأطراف الموقعة على الاتفاقية، وخصوصا وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، النهوض بهذا الورش بالشكل الفعال من خلال توفير الموارد البشرية المطلوبة وتعبئتها للعمل على تشغيل هاته الوحدات المتنقلة عبر الاستثمار في قيمتين أساسيتين لدى الأطباء والممرضين: “قيمة أداء الواجب” و”قيمة التطوع والتضحية”.


معنىً الحماية الاجتماعية


“الوحدات المتنقلة ستعطي مضموناً ومعنى للحماية الاجتماعية بالنسبة للفئات الفقيرة، والمعاملة، حيث توصل إليها الخدمات الصحية وتقوم برصد الأمراض المتوطِّنة وحتى معرفة أولئك الذين سيحتاجون لمتابعة دقيقة في المراكز المختصة”، يقول فتحي، لافتا إلى أن “المغرب يحاول الوصول إلى المرضى المنسيّين، والمبادرة تجعل كل إقليم وكل جهة وجماعة تتعرّف على مرضاها لتقوم بتيسير تطبيبهم وعلاجهم”.
وتفتح المبادرة، بحسب المتحدث لهسبريس، “آفاقا جديدة أمام العمل الجماعي ستتكشف مع بداية الشروع في تطبيق هذه التجربة في الأقاليم الأولى التي تم اختيارها”، معتبرا أن “الفائدة الكبرى التي سنجنيها، والتي ستبدأ ثمارها بالظهور بوضوح خلال السنة المقبلة، هي ضمان حق المواطن الذي كان مقصياً بسبب وضعه المالي أو الجغرافي أو الثقافي”.

وأجمل فتحي بأن “الورش هو تجسيد عمَليّ للجمع الذي أراده عاهل البلاد لقطاع الصحة والحماية الاجتماعية في حقيبة وزارية واحدة، إنه دليل على صواب و نجاعة ذاك الإستشراف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق